فضاء التلميذ والأستاذ يشعّ من الإعدادية النموذجية بصفاقس



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

فضاء التلميذ والأستاذ يشعّ من الإعدادية النموذجية بصفاقس

فضاء التلميذ والأستاذ يشعّ من الإعدادية النموذجية بصفاقس

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
فضاء التلميذ والأستاذ يشعّ من الإعدادية النموذجية بصفاقس

منتدى الحوار والإفادة


    في مدينة الأموات

    avatar
    سحر الهلالي


    عدد المساهمات : 3
    نقاط : 7
    تاريخ التسجيل : 14/10/2010

    في مدينة الأموات Empty في مدينة الأموات

    مُساهمة من طرف سحر الهلالي الخميس 30 ديسمبر - 15:16

    في إطار إعداد "تقديم دمعة و ابتسامة لجبران خليل جبران" أقترح عليكم هذا الجزء لتبدوا آراءكم و تجيبوا عن السؤال الذي طرحه الكاتب:



    تملّصت بالأمس من غوغاء المدينة وخرجت أمشي في الحقول الساكنة حتى بلغت أكمة عالية ألبستها الطبيعة أجمل حلاها، فوقفت وقد بانت المدينة بكلّ ما فيها من البنايات الشاهقة و القصور الفخمة تحت غيمة كثيفة من دخان المعامل
    جلست أتأمّل بأعمال الإنسان فوجدت أكثرها عناء، فحاولت في قلبي ألاّ أفكّر بما صنعه آدم وحوّلت عينيّ نحو الحقل كرسي مجد الله فرأيت في وسطه مقبرة ظهرت فيها الأجداث الرخاميّة المحاطة بأشجار السرو.
    هناك بين مدينة الأحياء و مدينة الأموات جلست أفكّر، أفكّر في كيفية العراك المستمر و الحركة الدائمة في هذه، وفي السكينة السائدة والهدوء المستقر في تلك. من الجهة الواحدة آمال وقنوط، ومحبة وبغضة، وغنى وفقر، و اعقاد وجحود, ومن الأخرى تراب في تراب تقلب الطبيعة بطنه ظاهريا وتبدع منه نباتا تمّ حيوانا، وكلّ ذلك يتمّ في سكينة الليل.
    بينا أنا مستسلم لعوامل هذه التأمّلات استلفت ناظري جميع غفير يسير الهويناء تتقدّمه الموسيقى وتملأ الجو ألحانا مخزنة. موكب جمع بين الفخامة والعظمة وآلف بين أشكال الناس. جنازة غني قوي. رفات ميت يتبعه الأحياء وهم يبكون ويولولون ويبثون بالهواء الصراخ والعويل.
    بلغوا الجبّانة فاجتمع الكهّان يصلّون ويبخرون، وانفرد الموسيقيون ينفخون الأبواق. وبعد قليل انبرى الخطباء فأبّنوا الراحل بمنتقيات الكلام، ثمّ الشعراء فرثوه بمنتخبات المعاني، وكلّ ذلك كان بتطويل ممل. وبعد قليل انقشع الجمع عن جدث تسابق في صنعه الحفّارون والمهندسون وحوله أكاليل الأزهار المنمّقة بأيدي المتفنّنين.
    رجع الموكب نحو المدينة وأنا أنظر من بعيد وأفكّر.
    ومالت الشمس نحو الغروب واستطالت أخيلة الصخور والأشجار وأخذت الطبيعة تخلع أثواب النور.
    في تلك الدقيقة نظرت فرأيت رجلين يقلان تابوتا خشبيا ووراءهما امرأة ترتدي أطمارا بالية وهي حاملة على منكبيها طفلا رضيعا وبجانبها كلب ينظر إليها تارة وإلى التابوت أخرى. جنازة فقير حقير, وراءها زوجة تذرف دموع الأسى وطفل يبكي لبكاء أمّه وكلب أمين يسير وفي مسيره حزن وكآبة.
    وصل هؤلاء إلى المقبرة وأودعوا التابوت حفرة في زاوية بعيدة عن الأجداث الرخامية ثمّ رجعوا بسكينة مؤثرة والكلب يتلفّت نحو محط رحال رفيقه حتى اختفوا عن بصري وراء الأشجار.
    فالتفتّ إذ ذاك نحو مدينة الأحياء وقلت في نفسي: تلك للأغنياء الأقوياء. ثمّ نحو مدينة الأموات وقلت: هذه للأغنياء الأقوياء.

    فأين موطن الفقير الضعيف يا رب؟



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 17 مايو - 2:32